Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار المصنعة

البحوث والدراسات في اكتشاف خبايا التاريخ، ابن المصنعة د.جمعة البوسعيدي ورحلته عبر محطات الحضارة العُمانية

البحوث والدراسات في اكتشاف خبايا التاريخ، ابن المصنعة د.جمعة البوسعيدي ورحلته عبر محطات الحضارة العُمانية.

– التربيه بوابته وبيت خبرته وهيئة الوثائق تنهل من تجربته وطموحه.
– الدراسات في الهيئة تمثل دعامة أساسية في رسالتها، ومشاركاتي البحثية مستمرة.
– الرواية الشفوية لها قيمه تاريخية وبحثية في كشف الحقائق، وقطعنا شوطا في انجازها.
– استنطق الوثيقة، وهي شاخصة أمامي متأملا في جمالها وأهميتها، وقارئا ما بين سطورها.

حاوره: يونس النعماني

    أن الطموح لا يقف عند شاطئ البحر منتظراً الأمواج تنقله إلى الضفة الأخرى، بل يبني قارب العلم، يشحن به الهمم العالية ليبحر بالمجد إلى بر الأمان، صانعاً تاريخاً مشرقاَ يضئ به المستقبل، هي سيرة من ناضل في سبيل العلم باحثا عن خبايا وأسرار الحياة، متوغلاً في بحار الكتب، ومتعمقا في مكنوناتها الدفينة، مضيئا بها دراسات وبحوث يقدمها للبشرية في بيانٍ وتبيانٍ واضح المعالم بعد أن فك ألغاز حروفها وخبايا صفحاتها. إن التاريخ لم تكشف صفحات بدايته، ولا يكمن أن  نوقف دورانه في نقطة  نهاية، علم متشعب لا يمكن أن يقرأه إلا رجاله، ولا يفسر مدلولاته وشواهده إلا نوابغه، فتتبع التاريخ أمراً مهماً في حياة الشعوب؛ فالتاريخ تراكم للتجارب والعِبَر، وهو أمرٌ مهمٌ في التنبؤ والاستشراف المبني على قواعد وأسس وتجارب من مكنونات التاريخ.
    أن اتخاذ القرار للإبحار في غباب التاريخ وشق الطرق إلى أبعد الأعماق، يتطلب جرأة لا محدودة، وأفق واسع، وحكمة وحنكة سديدة، فالطموح بداية، والطريق إليه لا تحده نهاية،  والوصول إلى أعلى المراتب يمثل أجمل رواية، وهنا نقف في سيرة طيبة الذكر، صاحبها اسم عشق التاريخ فاستل سيوف العلم من غمدها، وأبحر بأشرعة العزيمة فعبر بها سنوات من طلب العلا وأرسى بها على نتاج من البحوث والدراسات والفكر.
     الدكتور جمعة بن خليفة بن منصور البوسعيدي مدير عام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، حاصل على الدكتوراه  عن الأطروحة (عُمان وزنجبار في عهد الدولة البوسعيدية 1832 – 1890م، بناء الدولة العربية الإفريقية)، ولا يزال مواصلا سعيه الحثيث نحو توسيع دائرة علمه من خلال مشاركاته العلمية في المؤتمرات والندوات، وقراءاته التي لا تنطفئ شموعها، في البحوث والدراسات وأمهات الكتب.
    بدأ الدكتور جمعة البوسعيدي حياته العلمية كطالب في مدرسة الصلت بن مالك بولاية المصنعة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم واصل المرحلة الثانوية في المعهد الإسلامي الثانوي بالوطية، ونتيجة تفوقه العلمي، أُبتعث للدراسة إلى المملكة الأردنية الهاشمية بجامعة اليرموك، حصل منها على بكالوريوس في التاريخ والعلوم التربوية، ثم بادر  لإكمال مشوار علمه في التاريخ في جامعة تونس الأولى وكانت عنوان رسالته (العلاقات العُمانية الأوربية في عهد الدولة البوسعيدية 1741- 1856م)، وصول إلى أطروحة الدكتوراه سالفة الذكر.
    لقاءنا مع الدكتور جمعة البوسعيدي، المعطر بعبق التاريخ الشيق حدثنا فيه جانبا من سيرة حياته العلمية والعملية، ودوره في ادارة المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق بالهيئة كمديرا عاما لها، تمثل نموذجا هما في حياته العملية لملامستها واقع البحث والاطلاع الذي يزاحم أفكار الدكتور في معظم أوقاته.
حياته العملية
    بعد أن تنزهنا في محطاته العلمية، الدكتور جمعة البوسعيدي يروي لنا  جانبا من مشواره العملي، فذكر لنا بدايته في العمل كانت بعد حصوله على شهادة البكالوريوس، فيقول الدكتور حول ذلك، ” إن مهنة التدريس لها وقعها الخاص في نفسي، وبدايتي في التعين كانت في مدرستي الأولى حيث تلقيت تعلمي في المراحل الأولى مدرسة الإمام الصلت بن مالك الثانوية، فرغبتي في التدريس جعلتني اندمج في هذه المهنة الراقية، كما أن شغفي بالتاريخ جعلني أكثر همة في بذل المزيد، ثم تدرجت في السلم الوظيفي لأكون مساعد مدير في ذات المدرسة، بعدها انتقلت إلى مدرسة الإمام خنبش بن محمد الثانوية لأكون مديرا فيها، وكذلك عدت إلى مدرسة الإمام الصلت الثانوية كمديرا لها، قبل أن أبدا مرحلة جديدة في مشواري العملي، وذلك بانتقالي إلى المنطقة التعلمية بجنوب الباطنة كنائب مدير دائرة الإشراف التربوي، ثم مدير دائرة الإشراف التربوي، ثم خبير الإشراف التربوي في نفس المنطقة التعلمية، الأمر الذي أكسبني المزيد من المعارف والخبرات، والتعامل مع الكثير من الأفكار والمعلومات، وأهمية التعامل مع الضغوطات والنفسيات البشرية في مختلف شرائحها، حيث أن الإشراف على المنطقة التعلمية يعني التعامل مع كم هائل من المعلمين والمعلمات، وابنائنا الطلبة والطالبات، فكانت تجربة رائدة ولها وقعها الخاص في نفسي، فبعد قضاء ما يقارب العشرين عاما من العمل في وزارة التربية والتعليم، كانت لي التجربة الجديدة، وذلك بعد حصولي على شهادة الدكتوارة، حيث قررتُ الانتقال للعمل في مهنة تلامس واقع حياتي، وتتزاحم قوائم أنشطتها لبنات أفكاري، فالاطلاع والبحث والدراسات،  وتوفر مادة خصبة للعلم والمعرفة من وثائق ومخطوطات وكتب، تجسد شواهد للتاريخ ، انتقلتُ إلى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، لأتعين مديراً لدائرة البحوث والدراسات، التي لبثت فيها أمداً قصيراً، لأكون بعدها مديراً عام للمديرية العامة للبحث وتداول الوثائق، والتي من خلالها اشرف على ثلاث دوائر مهمه، دائرة البحوث والدراسات ودائرة الاطلاع على الوثائق، ودائرة الإعلام ونشر المحفوظات، فضلا عن مشروع التاريخ الشفوي.
تمثل النقلة النوعية في طبيعة عمل الدكتور أمرا جسد الكثير من المعاني التي بذل لها الكثير من الجهد والعمل الجاد، فوجوده على رأس المديرية العامة وهمته العالية في العمل فيها ، نقلنا للحديث عن عمله في الهيئة، كما جرنا الحديث حول أهمية الهيئة وما تمتلكه من وثائق ومخطوطات.
 البحوث
        وحول مكانة البحوث والذي تمثل أهمية خاصة للدكتور وللهيئة قال: “يمثل الجانب البحثي لدى الهيئة مرتكز أساسي ويخدم شريحة كبيرة من الباحثين، كما أنني أركز على جوانب الحضارة العُمانية في دراساتي وبحوثي لتغول هذه الحضارة وعمق تاريخها المجيد، فعًمان لها تاريخٌ حافل وإرث تليد، والبحث فيه أمر يتطلب الكثير من الجهد والوقت لقدم آثاره وتنوع مجالاته، ونحن هنا في الهيئة يمثل القسم المعني بالبحوث بتنفيذ الخطط المعتمدة لإعداد وكتابة البحوث بالتنسيق مع الأقسام المختصة بالهيئة من أجل إتاحة الوثائق لمن يرغب من الباحثين الاستعانة بها، ونتولى متابعتها والاشراف عليها الى حين طباعتها، ونستقبل في القسم أيضا المؤلفات والبحوث المقدمة من الباحثين والكُتّاب من خارج الهيئة وننشرها ضمن اصدارات الهيئة بعد ان تتم مراجعتها واجازتها من قبل المختصين، ومن البحوث التي أنتجتها الهيئة سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية (1،2،3).
الدراسات
وفي حديث متصل حول الدراسات ذكر الدكتور جمعة البوسعيدي: “لي اهتمام كبير فيما يتعلق بالدراسات التاريخية، ومتابعتها من خلال الكثير من المشاركات التي أكون متواجدا فيها داخل وخارج السلطنة، كما أن الدراسات في الهيئة تمثل دعامة أساسية في رسالتها في مجال البحث العلمي، إذ يعنى بالدراسات الوثائقية والمجالات المرتبطة بها في التاريخ العماني ودورة في المنطقة وفي شرق أفريقيا ودول العالم المختلفة، كما نقوم من خلال قسم الدراسات بالهيئة بالتنسيق مع المنظمات والهيئات العربية منها والدولية ذات العلاقة للقيام بالدراسات الفنية في مجال الاختصاص، وتنظيم العديد من الفعاليات والمناشط كالمؤتمرات والندوات والمحاضرات وورش العمل، التي لها علاقة برسالة وأهداف الهيئة، وهناك الكثير من المؤتمرات والندوات التي تنظمها الهيئة أو تشارك فيها على المستويين المحلي والدولي، والتي من أبرزها الندوة الدولية تاريخ الحضارة الاسلامية في شرق افريقيا، والتي نظمتها الهيئة في زنجبار، و الندوة الدولية العلاقات العُمانية العثمانية التي أقامتها الهيئة في إسطنبول بتركيا، وكذلك مشاركة الهيئة في المؤتمر الدولي الدور العُماني في الشرق الأفريقي بجامعة السلطان قابوس، حيث كنت رئيسا للجان العلمية في هذه المؤتمرات.
الاطلاع على الوثائق
    يمثل الاطلاع كنز معرفي للباحثين والدارسين وأداه مهمه في تنوير الفكر واتساع المعرفة، وهو جانب أساسي وفي قائمة أولويات الدكتور جمعة البوسعيدي في اتجاهه نحو الاطلاع وحب الاكتشاف والتعمق المعرفي من خلال الكتب والمخطوطات والوثائق بأنواعها، ويقول : “إن أهمية الاطلاع في حياتي لها أولوية خاصة فيما يتعلق بالجوانب التاريخية والأدبية والثقافية بشكل عام ومن جهة الهيئة كمؤسسة يمثل الاطلاع على الوثائق النافذة او المرآة التي تعكس عمل الهيئة وما تمتلكه من مكنون وإرث حضاري لعُمان، حيث تقوم هذه النافذة بإتاحة الوثائق للباحثين ولكن وفق ضوابط وقوانين معينة تحرص على استمرارية الخدمة، واشرافنا على عمل هذه النافذة لهو أمر يعني لي الكثير في هذا الجاب المعرفي الهام وفي حياة الباحث بشكل عام”.
مكتبة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية
كما يبين البوسعيدي مكانة المكتبة التي عملت الهيئة على تكوينها وفق أسس ومبادئ علمية من حيث التصنيف والترتيب يقول: ” تمثل المكتبة أهم أداة يمكن الاستعانة بها في نشر الوعي الثقافي والعلمي والتربوي بين فئات المجتمع، وذلك من خلال ما تقتنيه من مصادر معلومات مطبوعة وإلكترونية، التي تمكن الباحثين والدارسين على كسب العلم والمعرفة، وتقديم خدمات معلوماتية تناسب احتياجات المستفيدين، وحقيقة تبرز أهمية المكتبات التي تنشئها الدول على أنها تحفظُ فيها الإنتاج الفكري والثقافي الإنساني لتكون في متناول الجميع لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها وبدون مقابل، ونحن هنا في الهيئة نسعى لبذل المزيد من أجل تكوين مكتبه متكاملة وتجمع بين المطبوع والالكتروني وفق نظم عالميه معتمدة، حيث قمنا مؤخراً بإقامة عقد اشتراك وشراء بقاعدة بيانات المنهل العربية وذلك مع مؤسسة تك نوليدج، وقد نص الاتفاق على شراء الهيئة ما يزيد عن  احدى عشر ألف عنوان (كتب إلكترونية) كامتلاك دائم، والاشتراك لمدة عام في أكثر من 120 دورية و2500 اطروحة ورساله جامعية إلكترونية والموجودة بقاعدة بيانات المنهل العربية ولعدد غير محدود من المستخدمين، وهناك مساعي جاده في توسيع دائرة المعلومات المعرفية لدى مكتبة الهيئة.
التاريخ الشفوي
وحول سؤالنا للدكتور جمعة عن التاريخ الشفوي وأهميته الوطنية قال: “يمثل التاريخ الشفوي الرواية التي تتناقلها الألسن من شخص لآخر، أو من جيل لجيل، ولم تجد الاهتمام لتدوينها، وتحمل في مضمونها معلومات قيّمة في مختلف المجالات. فالرواة هم من لديهم  المعلومة ومن عايشوا الأحداث أو صنعوها، أو سمعوا عنها، وأولئك الذين انتقلت اليهم تلك المعلومات من جيل لآخر، يُعدون  مصادر ومراجع لهذه المصادر الشفوية. ومن أبرز الأمثلة على وجود الرواية الشفوية وأهميتها البارزة علماء الحديث النبوي الشريف الذين كانت لهم رؤيتهم الواضحة في هذا المجال، والتي تقوم على ضوابط معينة في القبول والرد والعدالة وغيرها من الأسس التي تُبنى عليها مصداقية الرواية الشفوية.
وتابع حديثه حول أهمية المشروع الوطني: “إن ذاكرة الإنسان معرّضة للضعف والوهن، أو تصاب بالنسيان في بعض الأحيان، وحتى بالاندثار وذلك ببلوغ الرواة وممّن يمتلكون المعلومات  من كبار السِّن مما يجعلهم غير قادرين على التذكر والسرد، أو بالمرض أو بالوفاة، فكان حريا بالهيئة أن تتوجه لحفظ الرواية الشفهية؛ لما لها من قيمة تاريخية وبحثية في كشف الحقائق وإبرازها لاحقاً للباحثين، ويأتي مشروع التاريخ الشفوي كأحد المشاريع الهامة على المستوى الوطني.
المعارض الوثائقية
شرعت الهيئة في اقامة المعارض الوثائقية منذ أن كانت الانطلاقة الأولى في المعرض الوثائقي الأول في 31 أكتوبر – 7 نوفمبر 2010م، حيث ضم العديد من الوثائق والصور التاريخية النادرة والتي قدر عددها ب 800 وثيقة وصورة نادره، والتي تناولت فترات ممتدة وحقب تاريخية مختلفة تتحدث عن مخزون وإرث حضاري وثقافي لذاكرة هذا الوطن العزيز، ثم تلتها مشاركات في معارض مختلفة سعت الهيئة من خلالها إلى ابراز جزاء من المخزون الوثائقي الذي تمتلكه واطلاعه للباحثين والدارسين والمهتمين، كما نجحت في اقامت المعرض الثاني والثالث والرابع على مستوى السلطنة، فضلا عن تنظيمها لعدد من المعارض الدولية، في زنجبار ودار السلام وفي إسطنبول.
وحول هذا الانجاز وأهم ما يتم عرضه في المعارض الوثائقية قال الدكتور: “حقيقة أن المعارض الوثائقية تمثل شكلاً من أشكال الاطلاع، وهو أمر يعني لي الكثير كوني مهتمٌ بهذا الجانب، ولي رؤيتي الخاصة في استنطاق الوثيقة وهي شاخصة أمامي في المعارض التي نتيحها للجمهور، فأقف كأي زائر متأمل في جمالية وأهمية الوثيقة، وكباحث ومهتم في التاريخ أقرا ما بين سطور كل وثيقة من بُعد حضاري وتفاصيل مهمه ترشدنا نحو قراءة جوانب من التاريخ العُماني الأصيل، كما أن العمل الذي تقوم به هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية نحو تنظيم المعارض الوثائقية يمثل خطوة ايجابية ومتكاملة في إبراز الدور الكبير للهيئة، ويمثل جزء من النتاج الذي قامت به منذ صدور قانون الوثائق والمحفوظات، فالهيئة ماضية قدما نحو مزيدا من التفاعل المباشر مع الباحثين والدارسين والمواطنين وفق أسس مدروسة ومخطط لها سلفا، والمعارض الوثائقية تعد إحدى الخطوات الهامة والتي أتاحت للزوار الاطلاع على نموذج من الموروث والمخزون الوثائقي والتاريخي لبلد يتميز بتاريخ حافل من الإنجازات والعلاقات الدولية المختلفة. ويواصل البوسعيدي حديثه حول أهم ما يتم عرضه في المعارض الوثائقية: إن الهيئة تهتم بعرض الوثائق المميزة والنادرة والتي لها عمق تاريخي، كما أنها تسعى دائما أن تجدد في الوثائق المعروضة ليتمكن المجتمع وخاصة الباحثين والدارسين من الاطلاع على وثائق متنوعة الفترات ومختلفة المجالات، حيث عرضت الهيئة وثائق ومخطوطات تمتد لأكثر من ثلاثة مائة عام وإلى عهد مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظة الله ورعاه، كما تناولت جوانب عديدة وصنوفا مختلفة من العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن اهتمام الهيئة لإبراز أوجه وأصناف العلاقات التي أقامتها السلطنة مع مختلف دول العالم، فإن الهيئة تمض قدما للتعريف بالذاكرة الوطنية على المستوى المحلي وكذلك على المستوى الدولي، وستساعد الوثائق من خلال إتاحتها حسب الآجال التي وردت في قانون الوثائق والمحفوظات لتكون مصدرا هاما للباحثين والدارسين في كتابة التاريخ العماني بل وتاريخ المنطقة بشكل عام.
الوثائق الخاصة
 ويتحدث الدكتور جمعة البوسعيدي حول أهمية الوثائق الخاصة وما تمثله من مكانة خاصة في اهتمامات الهيئة وفي المجتمع العُماني وعلى مستوى البحث العلمي، tيذكر بأن الوثائق الخاصة هي التي تهم الصالح العام والتي يملكها أو يحوزها الفرد أو العائلة أو القبيلة وتتضمن معلومات أو بيانات يمكن الاستفادة منها في البحوث والدراسات، وتشمل -على سبيل الذكر لا الحصر -وثائق العائلات، ووثائق الأشخاص، ووثائق الكتّاب والأدباء وهي تتمثل في وثائق الأنساب، ووثائق إثبات الحقوق، والوثائــــق الشخصيــة المتعلقــة بالحيــاة الـدراسيـة والأوسمــة والوثائق الحسابية، والوثائق المتعلقة بأملاك الشخص والوثائق المتعلقة بإنجازاته كمسودات التأليف، والوثائق المتعلقة بتنظيم الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في المجتمع ومنها: الجوانب المتعلقة بالوصايا، والإرث، والوكالات والبيوع، وتنظيم أعمال الوقف، والمشروعات الزراعية، وتنظيم الأفلاج  الخ..، ووثائق تسيير الأنشطة في ميدان القطاع الخاص، والمتعلقة بإدارة هذه الأعمال من الجانب الإداري والمالي، وأعمال المراقبة على الأداء، ووثائق تنفيذ المشاريع، وكذلك جميع الوثائق المتعلقة بتأسيس الجمعيات أو النقابات المهنية، والوثائق الحسابية المتعلقة بممتلكاتها، ووثائق العلاقات العامة، ووثائق الدراسات، وكذلك الوثائق التجارية لعملها، ووثائق تصفيتها.
الوثائق العُمانية في الخارج
وحول الوثائق العُمانية وأهمية الحصول عليها من الخارج ذكر الدكتور جمعه البوسعيدي: “أن الدور الذي تقوم به الهيئة يتسع ليشمل الوثائق العُمانية الموجودة في الخارج، وذلك من خلال أهمية الوصول إليها؛ لذا سعت الهيئة لبناء علاقات تعاون مع عدد من الأرشيفات ودور الوثائق، توصلت من خلالها إلى التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم، يمكنها من الحصول على نسخ من الوثائق التي تخص السلطنة والمتواجدة في الخارج، حيث تمكنت الهيئة من الحصول على وثائق من عدد من الأرشيفات والجهات البحثية كبريطانيا ومملكة هولندا والبرتغال وفرنسا وجمهورية مصر العربية وتركيا وجمهورية الهند ودول شرق أفريقيا وذلك يتيح للهيئة جلب نسخ من الوثائق التي تخص السلطنة من هذه الدول بعد التوقيع على مذكرات تفاهم للتعاون المشترك، فقد منح القانون هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية القيام بجمع الوثائق التي تخص السلطنة والموجودة بالخارج، وتمكنت الهيئة من الحصول على الكثير من هذه الوثائق، كما تسعى جاهدة للوصول إلى جميع دور الوثائق والأرشيفات العالمية والتي تضم وثائق تخص السلطنة، وهناك دور كبير قائم في هذا الجانب، ينصب في أهمية استجلاب نسخ من هذه الوثائق، والذي تهم الذاكرة الوطنية كما تمثل بعدا بحثيا بما توفره من معلومات مهمة.
وفي نهاية هذا اللقاء الرائع الذي أبحرنا فيه مع الدكتور جمعه البوسعيدي للحديث عن المحفوظات والوثائق شاكرين له سعة صدره، وترحيبه الدائم بالباحثين والمهتمين، ونتمنى لهم النجاح والتوفيق لخدمة تاريخ، وموروث هذا الوطن العزيز تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه-. والدراسات في اكتشاف خبايا التاريخ
د.جمعة البوسعيدي ورحلته عبر محطات الحضارة العُمانية
– التربيه بوابته وبيت خبرته وهيئة الوثائق تنهل من تجربته وطموحه.
– الدراسات في الهيئة تمثل دعامة أساسية في رسالتها، ومشاركاتي البحثية مستمرة.
 – الرواية الشفوية لها قيمه تاريخية وبحثية في كشف الحقائق، وقطعنا شوطا في انجازها.
– استنطق الوثيقة، وهي شاخصة أمامي متأملا في جمالها وأهميتها، وقارئا ما بين سطورها.
حاوره يونس بن جميل النعماني
    أن الطموح لا يقف عند شاطئ البحر منتظراً الأمواج تنقله إلى الضفة الأخرى، بل يبني قارب العلم، يشحن به الهمم العالية ليبحر بالمجد إلى بر الأمان، صانعاً تاريخاً مشرقاَ يضئ به المستقبل، هي سيرة من ناضل في سبيل العلم باحثا عن خبايا وأسرار الحياة، متوغلاً في بحار الكتب، ومتعمقا في مكنوناتها الدفينة، مضيئا بها دراسات وبحوث يقدمها للبشرية في بيانٍ وتبيانٍ واضح المعالم بعد أن فك ألغاز حروفها وخبايا صفحاتها. إن التاريخ لم تكشف صفحات بدايته، ولا يكمن أن  نوقف دورانه في نقطة  نهاية، علم متشعب لا يمكن أن يقرأه إلا رجاله، ولا يفسر مدلولاته وشواهده إلا نوابغه، فتتبع التاريخ أمراً مهماً في حياة الشعوب؛ فالتاريخ تراكم للتجارب والعِبَر، وهو أمرٌ مهمٌ في التنبؤ والاستشراف المبني على قواعد وأسس وتجارب من مكنونات التاريخ.
    أن اتخاذ القرار للإبحار في غباب التاريخ وشق الطرق إلى أبعد الأعماق، يتطلب جرأة لا محدودة، وأفق واسع، وحكمة وحنكة سديدة، فالطموح بداية، والطريق إليه لا تحده نهاية،  والوصول إلى أعلى المراتب يمثل أجمل رواية، وهنا نقف في سيرة طيبة الذكر، صاحبها اسم عشق التاريخ فاستل سيوف العلم من غمدها، وأبحر بأشرعة العزيمة فعبر بها سنوات من طلب العلا وأرسى بها على نتاج من البحوث والدراسات والفكر.
     الدكتور جمعة بن خليفة بن منصور البوسعيدي مدير عام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، حاصل على الدكتوراه  عن الأطروحة (عُمان وزنجبار في عهد الدولة البوسعيدية 1832 – 1890م، بناء الدولة العربية الإفريقية)، ولا يزال مواصلا سعيه الحثيث نحو توسيع دائرة علمه من خلال مشاركاته العلمية في المؤتمرات والندوات، وقراءاته التي لا تنطفئ شموعها، في البحوث والدراسات وأمهات الكتب.
    بدأ الدكتور جمعة البوسعيدي حياته العلمية كطالب في مدرسة الصلت بن مالك بولاية المصنعة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم واصل المرحلة الثانوية في المعهد الإسلامي الثانوي بالوطية، ونتيجة تفوقه العلمي، أُبتعث للدراسة إلى المملكة الأردنية الهاشمية بجامعة اليرموك، حصل منها على بكالوريوس في التاريخ والعلوم التربوية، ثم بادر  لإكمال مشوار علمه في التاريخ في جامعة تونس الأولى وكانت عنوان رسالته (العلاقات العُمانية الأوربية في عهد الدولة البوسعيدية 1741- 1856م)، وصول إلى أطروحة الدكتوراه سالفة الذكر.
    لقاءنا مع الدكتور جمعة البوسعيدي، المعطر بعبق التاريخ الشيق حدثنا فيه جانبا من سيرة حياته العلمية والعملية، ودوره في ادارة المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق بالهيئة كمديرا عاما لها، تمثل نموذجا هما في حياته العملية لملامستها واقع البحث والاطلاع الذي يزاحم أفكار الدكتور في معظم أوقاته.
حياته العملية
    بعد أن تنزهنا في محطاته العلمية، الدكتور جمعة البوسعيدي يروي لنا  جانبا من مشواره العملي، فذكر لنا بدايته في العمل كانت بعد حصوله على شهادة البكالوريوس، فيقول الدكتور حول ذلك، ” إن مهنة التدريس لها وقعها الخاص في نفسي، وبدايتي في التعين كانت في مدرستي الأولى حيث تلقيت تعلمي في المراحل الأولى مدرسة الإمام الصلت بن مالك الثانوية، فرغبتي في التدريس جعلتني اندمج في هذه المهنة الراقية، كما أن شغفي بالتاريخ جعلني أكثر همة في بذل المزيد، ثم تدرجت في السلم الوظيفي لأكون مساعد مدير في ذات المدرسة، بعدها انتقلت إلى مدرسة الإمام خنبش بن محمد الثانوية لأكون مديرا فيها، وكذلك عدت إلى مدرسة الإمام الصلت الثانوية كمديرا لها، قبل أن أبدا مرحلة جديدة في مشواري العملي، وذلك بانتقالي إلى المنطقة التعلمية بجنوب الباطنة كنائب مدير دائرة الإشراف التربوي، ثم مدير دائرة الإشراف التربوي، ثم خبير الإشراف التربوي في نفس المنطقة التعلمية، الأمر الذي أكسبني المزيد من المعارف والخبرات، والتعامل مع الكثير من الأفكار والمعلومات، وأهمية التعامل مع الضغوطات والنفسيات البشرية في مختلف شرائحها، حيث أن الإشراف على المنطقة التعلمية يعني التعامل مع كم هائل من المعلمين والمعلمات، وابنائنا الطلبة والطالبات، فكانت تجربة رائدة ولها وقعها الخاص في نفسي، فبعد قضاء ما يقارب العشرين عاما من العمل في وزارة التربية والتعليم، كانت لي التجربة الجديدة، وذلك بعد حصولي على شهادة الدكتوارة، حيث قررتُ الانتقال للعمل في مهنة تلامس واقع حياتي، وتتزاحم قوائم أنشطتها لبنات أفكاري، فالاطلاع والبحث والدراسات،  وتوفر مادة خصبة للعلم والمعرفة من وثائق ومخطوطات وكتب، تجسد شواهد للتاريخ ، انتقلتُ إلى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، لأتعين مديراً لدائرة البحوث والدراسات، التي لبثت فيها أمداً قصيراً، لأكون بعدها مديراً عام للمديرية العامة للبحث وتداول الوثائق، والتي من خلالها اشرف على ثلاث دوائر مهمه، دائرة البحوث والدراسات ودائرة الاطلاع على الوثائق، ودائرة الإعلام ونشر المحفوظات، فضلا عن مشروع التاريخ الشفوي.
تمثل النقلة النوعية في طبيعة عمل الدكتور أمرا جسد الكثير من المعاني التي بذل لها الكثير من الجهد والعمل الجاد، فوجوده على رأس المديرية العامة وهمته العالية في العمل فيها ، نقلنا للحديث عن عمله في الهيئة، كما جرنا الحديث حول أهمية الهيئة وما تمتلكه من وثائق ومخطوطات.
 البحوث
        وحول مكانة البحوث والذي تمثل أهمية خاصة للدكتور وللهيئة قال: “يمثل الجانب البحثي لدى الهيئة مرتكز أساسي ويخدم شريحة كبيرة من الباحثين، كما أنني أركز على جوانب الحضارة العُمانية في دراساتي وبحوثي لتغول هذه الحضارة وعمق تاريخها المجيد، فعًمان لها تاريخٌ حافل وإرث تليد، والبحث فيه أمر يتطلب الكثير من الجهد والوقت لقدم آثاره وتنوع مجالاته، ونحن هنا في الهيئة يمثل القسم المعني بالبحوث بتنفيذ الخطط المعتمدة لإعداد وكتابة البحوث بالتنسيق مع الأقسام المختصة بالهيئة من أجل إتاحة الوثائق لمن يرغب من الباحثين الاستعانة بها، ونتولى متابعتها والاشراف عليها الى حين طباعتها، ونستقبل في القسم أيضا المؤلفات والبحوث المقدمة من الباحثين والكُتّاب من خارج الهيئة وننشرها ضمن اصدارات الهيئة بعد ان تتم مراجعتها واجازتها من قبل المختصين، ومن البحوث التي أنتجتها الهيئة سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية (1،2،3).
الدراسات
وفي حديث متصل حول الدراسات ذكر الدكتور جمعة البوسعيدي: “لي اهتمام كبير فيما يتعلق بالدراسات التاريخية، ومتابعتها من خلال الكثير من المشاركات التي أكون متواجدا فيها داخل وخارج السلطنة، كما أن الدراسات في الهيئة تمثل دعامة أساسية في رسالتها في مجال البحث العلمي، إذ يعنى بالدراسات الوثائقية والمجالات المرتبطة بها في التاريخ العماني ودورة في المنطقة وفي شرق أفريقيا ودول العالم المختلفة، كما نقوم من خلال قسم الدراسات بالهيئة بالتنسيق مع المنظمات والهيئات العربية منها والدولية ذات العلاقة للقيام بالدراسات الفنية في مجال الاختصاص، وتنظيم العديد من الفعاليات والمناشط كالمؤتمرات والندوات والمحاضرات وورش العمل، التي لها علاقة برسالة وأهداف الهيئة، وهناك الكثير من المؤتمرات والندوات التي تنظمها الهيئة أو تشارك فيها على المستويين المحلي والدولي، والتي من أبرزها الندوة الدولية تاريخ الحضارة الاسلامية في شرق افريقيا، والتي نظمتها الهيئة في زنجبار، و الندوة الدولية العلاقات العُمانية العثمانية التي أقامتها الهيئة في إسطنبول بتركيا، وكذلك مشاركة الهيئة في المؤتمر الدولي الدور العُماني في الشرق الأفريقي بجامعة السلطان قابوس، حيث كنت رئيسا للجان العلمية في هذه المؤتمرات.
الاطلاع على الوثائق
    يمثل الاطلاع كنز معرفي للباحثين والدارسين وأداه مهمه في تنوير الفكر واتساع المعرفة، وهو جانب أساسي وفي قائمة أولويات الدكتور جمعة البوسعيدي في اتجاهه نحو الاطلاع وحب الاكتشاف والتعمق المعرفي من خلال الكتب والمخطوطات والوثائق بأنواعها، ويقول : “إن أهمية الاطلاع في حياتي لها أولوية خاصة فيما يتعلق بالجوانب التاريخية والأدبية والثقافية بشكل عام ومن جهة الهيئة كمؤسسة يمثل الاطلاع على الوثائق النافذة او المرآة التي تعكس عمل الهيئة وما تمتلكه من مكنون وإرث حضاري لعُمان، حيث تقوم هذه النافذة بإتاحة الوثائق للباحثين ولكن وفق ضوابط وقوانين معينة تحرص على استمرارية الخدمة، واشرافنا على عمل هذه النافذة لهو أمر يعني لي الكثير في هذا الجاب المعرفي الهام وفي حياة الباحث بشكل عام”.
مكتبة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية
كما يبين البوسعيدي مكانة المكتبة التي عملت الهيئة على تكوينها وفق أسس ومبادئ علمية من حيث التصنيف والترتيب يقول: ” تمثل المكتبة أهم أداة يمكن الاستعانة بها في نشر الوعي الثقافي والعلمي والتربوي بين فئات المجتمع، وذلك من خلال ما تقتنيه من مصادر معلومات مطبوعة وإلكترونية، التي تمكن الباحثين والدارسين على كسب العلم والمعرفة، وتقديم خدمات معلوماتية تناسب احتياجات المستفيدين، وحقيقة تبرز أهمية المكتبات التي تنشئها الدول على أنها تحفظُ فيها الإنتاج الفكري والثقافي الإنساني لتكون في متناول الجميع لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها وبدون مقابل، ونحن هنا في الهيئة نسعى لبذل المزيد من أجل تكوين مكتبه متكاملة وتجمع بين المطبوع والالكتروني وفق نظم عالميه معتمدة، حيث قمنا مؤخراً بإقامة عقد اشتراك وشراء بقاعدة بيانات المنهل العربية وذلك مع مؤسسة تك نوليدج، وقد نص الاتفاق على شراء الهيئة ما يزيد عن  احدى عشر ألف عنوان (كتب إلكترونية) كامتلاك دائم، والاشتراك لمدة عام في أكثر من 120 دورية و2500 اطروحة ورساله جامعية إلكترونية والموجودة بقاعدة بيانات المنهل العربية ولعدد غير محدود من المستخدمين، وهناك مساعي جاده في توسيع دائرة المعلومات المعرفية لدى مكتبة الهيئة.
التاريخ الشفوي
وحول سؤالنا للدكتور جمعة عن التاريخ الشفوي وأهميته الوطنية قال: “يمثل التاريخ الشفوي الرواية التي تتناقلها الألسن من شخص لآخر، أو من جيل لجيل، ولم تجد الاهتمام لتدوينها، وتحمل في مضمونها معلومات قيّمة في مختلف المجالات. فالرواة هم من لديهم  المعلومة ومن عايشوا الأحداث أو صنعوها، أو سمعوا عنها، وأولئك الذين انتقلت اليهم تلك المعلومات من جيل لآخر، يُعدون  مصادر ومراجع لهذه المصادر الشفوية. ومن أبرز الأمثلة على وجود الرواية الشفوية وأهميتها البارزة علماء الحديث النبوي الشريف الذين كانت لهم رؤيتهم الواضحة في هذا المجال، والتي تقوم على ضوابط معينة في القبول والرد والعدالة وغيرها من الأسس التي تُبنى عليها مصداقية الرواية الشفوية.
وتابع حديثه حول أهمية المشروع الوطني: “إن ذاكرة الإنسان معرّضة للضعف والوهن، أو تصاب بالنسيان في بعض الأحيان، وحتى بالاندثار وذلك ببلوغ الرواة وممّن يمتلكون المعلومات  من كبار السِّن مما يجعلهم غير قادرين على التذكر والسرد، أو بالمرض أو بالوفاة، فكان حريا بالهيئة أن تتوجه لحفظ الرواية الشفهية؛ لما لها من قيمة تاريخية وبحثية في كشف الحقائق وإبرازها لاحقاً للباحثين، ويأتي مشروع التاريخ الشفوي كأحد المشاريع الهامة على المستوى الوطني.
المعارض الوثائقية
شرعت الهيئة في اقامة المعارض الوثائقية منذ أن كانت الانطلاقة الأولى في المعرض الوثائقي الأول في 31 أكتوبر – 7 نوفمبر 2010م، حيث ضم العديد من الوثائق والصور التاريخية النادرة والتي قدر عددها ب 800 وثيقة وصورة نادره، والتي تناولت فترات ممتدة وحقب تاريخية مختلفة تتحدث عن مخزون وإرث حضاري وثقافي لذاكرة هذا الوطن العزيز، ثم تلتها مشاركات في معارض مختلفة سعت الهيئة من خلالها إلى ابراز جزاء من المخزون الوثائقي الذي تمتلكه واطلاعه للباحثين والدارسين والمهتمين، كما نجحت في اقامت المعرض الثاني والثالث والرابع على مستوى السلطنة، فضلا عن تنظيمها لعدد من المعارض الدولية، في زنجبار ودار السلام وفي إسطنبول.
وحول هذا الانجاز وأهم ما يتم عرضه في المعارض الوثائقية قال الدكتور: “حقيقة أن المعارض الوثائقية تمثل شكلاً من أشكال الاطلاع، وهو أمر يعني لي الكثير كوني مهتمٌ بهذا الجانب، ولي رؤيتي الخاصة في استنطاق الوثيقة وهي شاخصة أمامي في المعارض التي نتيحها للجمهور، فأقف كأي زائر متأمل في جمالية وأهمية الوثيقة، وكباحث ومهتم في التاريخ أقرا ما بين سطور كل وثيقة من بُعد حضاري وتفاصيل مهمه ترشدنا نحو قراءة جوانب من التاريخ العُماني الأصيل، كما أن العمل الذي تقوم به هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية نحو تنظيم المعارض الوثائقية يمثل خطوة ايجابية ومتكاملة في إبراز الدور الكبير للهيئة، ويمثل جزء من النتاج الذي قامت به منذ صدور قانون الوثائق والمحفوظات، فالهيئة ماضية قدما نحو مزيدا من التفاعل المباشر مع الباحثين والدارسين والمواطنين وفق أسس مدروسة ومخطط لها سلفا، والمعارض الوثائقية تعد إحدى الخطوات الهامة والتي أتاحت للزوار الاطلاع على نموذج من الموروث والمخزون الوثائقي والتاريخي لبلد يتميز بتاريخ حافل من الإنجازات والعلاقات الدولية المختلفة. ويواصل البوسعيدي حديثه حول أهم ما يتم عرضه في المعارض الوثائقية: إن الهيئة تهتم بعرض الوثائق المميزة والنادرة والتي لها عمق تاريخي، كما أنها تسعى دائما أن تجدد في الوثائق المعروضة ليتمكن المجتمع وخاصة الباحثين والدارسين من الاطلاع على وثائق متنوعة الفترات ومختلفة المجالات، حيث عرضت الهيئة وثائق ومخطوطات تمتد لأكثر من ثلاثة مائة عام وإلى عهد مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظة الله ورعاه، كما تناولت جوانب عديدة وصنوفا مختلفة من العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن اهتمام الهيئة لإبراز أوجه وأصناف العلاقات التي أقامتها السلطنة مع مختلف دول العالم، فإن الهيئة تمض قدما للتعريف بالذاكرة الوطنية على المستوى المحلي وكذلك على المستوى الدولي، وستساعد الوثائق من خلال إتاحتها حسب الآجال التي وردت في قانون الوثائق والمحفوظات لتكون مصدرا هاما للباحثين والدارسين في كتابة التاريخ العماني بل وتاريخ المنطقة بشكل عام.
الوثائق الخاصة
 ويتحدث الدكتور جمعة البوسعيدي حول أهمية الوثائق الخاصة وما تمثله من مكانة خاصة في اهتمامات الهيئة وفي المجتمع العُماني وعلى مستوى البحث العلمي، tيذكر بأن الوثائق الخاصة هي التي تهم الصالح العام والتي يملكها أو يحوزها الفرد أو العائلة أو القبيلة وتتضمن معلومات أو بيانات يمكن الاستفادة منها في البحوث والدراسات، وتشمل -على سبيل الذكر لا الحصر -وثائق العائلات، ووثائق الأشخاص، ووثائق الكتّاب والأدباء وهي تتمثل في وثائق الأنساب، ووثائق إثبات الحقوق، والوثائــــق الشخصيــة المتعلقــة بالحيــاة الـدراسيـة والأوسمــة والوثائق الحسابية، والوثائق المتعلقة بأملاك الشخص والوثائق المتعلقة بإنجازاته كمسودات التأليف، والوثائق المتعلقة بتنظيم الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في المجتمع ومنها: الجوانب المتعلقة بالوصايا، والإرث، والوكالات والبيوع، وتنظيم أعمال الوقف، والمشروعات الزراعية، وتنظيم الأفلاج  الخ..، ووثائق تسيير الأنشطة في ميدان القطاع الخاص، والمتعلقة بإدارة هذه الأعمال من الجانب الإداري والمالي، وأعمال المراقبة على الأداء، ووثائق تنفيذ المشاريع، وكذلك جميع الوثائق المتعلقة بتأسيس الجمعيات أو النقابات المهنية، والوثائق الحسابية المتعلقة بممتلكاتها، ووثائق العلاقات العامة، ووثائق الدراسات، وكذلك الوثائق التجارية لعملها، ووثائق تصفيتها.
الوثائق العُمانية في الخارج
وحول الوثائق العُمانية وأهمية الحصول عليها من الخارج ذكر الدكتور جمعه البوسعيدي: “أن الدور الذي تقوم به الهيئة يتسع ليشمل الوثائق العُمانية الموجودة في الخارج، وذلك من خلال أهمية الوصول إليها؛ لذا سعت الهيئة لبناء علاقات تعاون مع عدد من الأرشيفات ودور الوثائق، توصلت من خلالها إلى التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم، يمكنها من الحصول على نسخ من الوثائق التي تخص السلطنة والمتواجدة في الخارج، حيث تمكنت الهيئة من الحصول على وثائق من عدد من الأرشيفات والجهات البحثية كبريطانيا ومملكة هولندا والبرتغال وفرنسا وجمهورية مصر العربية وتركيا وجمهورية الهند ودول شرق أفريقيا وذلك يتيح للهيئة جلب نسخ من الوثائق التي تخص السلطنة من هذه الدول بعد التوقيع على مذكرات تفاهم للتعاون المشترك، فقد منح القانون هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية القيام بجمع الوثائق التي تخص السلطنة والموجودة بالخارج، وتمكنت الهيئة من الحصول على الكثير من هذه الوثائق، كما تسعى جاهدة للوصول إلى جميع دور الوثائق والأرشيفات العالمية والتي تضم وثائق تخص السلطنة، وهناك دور كبير قائم في هذا الجانب، ينصب في أهمية استجلاب نسخ من هذه الوثائق، والذي تهم الذاكرة الوطنية كما تمثل بعدا بحثيا بما توفره من معلومات مهمة.
وفي نهاية هذا اللقاء الرائع الذي أبحرنا فيه مع الدكتور جمعه البوسعيدي للحديث عن المحفوظات والوثائق شاكرين له سعة صدره، وترحيبه الدائم بالباحثين والمهتمين، ونتمنى لهم النجاح والتوفيق لخدمة تاريخ، وموروث هذا الوطن العزيز تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه-.
نقلاً من مجلة أصايل
  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى